قال أبو جعفر محمد بن حبيب رحمه الله في أماليه: كان أبو طالب إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وآله أحيانا يبكي ويقول: إذا رأيته ذكرت أخي، وكان عبد الله أخاه لأبويه وكان شديد الحب والحنو عليه، وكذلك كان عبد المطلب شديد الحب له، وكان أبو طالب كثيرا ما يخاف على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم البيات إذا عرف مضجعه فكان يقيمه ليلا من منامه ويضجع ابنه عليا مكانه، فقال له: علي ليلة: يا أبت إني مقتول.
فقال له :
أصبرن يا بني فالصبر أحجى * كــــل حــــي مصيــره لشعوب
قــــد بذلنــــاك والبــلاء شديد * لفــــداء الحبـيب وابن الحبيب
لفداء الأغــــر ذي الحسب الثاقب * والبــــــاع والكــــريم النجــــيــــب
إن تصبك المنون فالنبل تبرى* فمصيــــب منــــها وغـيــر مصيب
كــــل حــــي وإن تمـــلي بعمر* آخــــذ مــــن مــــذاقــــها بنصيــب
فأجاب علي بقوله :
أتأمرني بالصبــر في نصر أحمد ؟ * ووالله مــــا قلت الذي قلت جازعا
ولكننــــي أحبــــبت أن تـر نصرتي * وتعــــلم أنــــي لـــم أزل لك طائعا
سأسعــى لوجه الله في نصر أحمد * نبــي الهدى المحمود طفلا ويافعا
وذكره ابن أبي الحديد نقلا عن الأمالي 3: 310 وهناك تصحيف في البيت الثاني والثالث من أبيات أبي طالب صححناه من طبقات السيد علي خان الناقل عن شرح ابن أبي الحديد المخطوط، وذكر القصة أبو علي الموضح العمري العلوي كما في كتابه (الحجة) ص 69 .
قال الأميني: إن القرابة والرحم تبعثان إلى المحاماة إلى حد محدود، لكنه إذا بلغت حد التضحية بولد كأمير المؤمنين هو أحب العالمين إلى والده فهناك يقف التفاني على موقفه، فلا يستسهل الوالد أن يعرض ابنه على القتل كل ليلة فينيمه على فراش المفدى، ويستعوض منه ابن أخيه، إلا أن يكون مندفعا إلى ذلك بدافع ديني وهو معنى اعتناق أبي طالب بالدين الحنيف، وهو الذي تعطيه المحاورة الشعرية بين الوالد والولد فترى الولد يسارح بالنبوة فلا ينكر عليه الوالد بأن هذا التهالك ليس إلا بدافع قومي غير فاتر عن حض ابنه على ما يبتغيه من النصرة ولا متثبط عن النهوض بها(فسلام الله على والد وما ولد) .